كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أن لفظة لبيك ملازمة للإضافة لضمير المخاطب، وشذ إضافتها للظاهر كما تقدم قريبًا، وشذ أيضًا إضافتها لضمير الغائب كقول الراجز:
إنك لو دعوتني ودوني ** زوراء ذات متزع بيون

لقلت لبيه لمن يدعوني ** فروع تتعلق بهذه المسألة

الفرع الأول: اعلم أنه ينبغي للرجال رفع أصواتهم بالتلبية، لما رواه مالك في الموطأ، والشافعي، وأحمد، وأصحاب السنن، وابن حبان، والحاكم.
من حديث خلاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه السائب بن خلاد بن سويد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية». اهـ.
ولفظ مالك في موطئه «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي، أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال» يريد أحدهما. وقال الترمذي في هذا الحديث: حديث حسن صحيح، وجمهور أهل العلم على أن هذا الأمر المذكور في الحديث للاستحباب، وذهب الظاهرية إلى أنه للوجوب، والقاعدة المقررة في الأصول مع الظاهرية، وهي أن الأمر يقتضي الوجوب إلا لدليل صارف عنه، وأما النساء فلا ينبغي لهن رفع الصوت بالتلبية كما عليه جماهير أهل العلم.
قال مالك في موطئه: إنه سمع أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفع الصوتِ بالتلبية، لِتُسمِع المرأة نَفْسَها، وعلل بعض أهل العلم خفض المرأة صوتها بالتلبية، بخوف الافتتان بصوتها.
وقال الرافعي في شرحه الكبير المسمى فتح العزيز في شرح الوجيز: وإنما يسحب الرفع في حق الرجل، ولا يرفع حيث يجهد ويقطع صوته، والنساء تقتصرن على إسماع أنفسهن، ولا يجهرن كما لا يجهرن بالقراءة في الصلاة.
قال القاضي الروياني: ولو رفعت صوتها بالتلبية لم يحرم، لأن صوتها ليس بعورة خلافًا لبعض أصحابنا. اهـ. وذكره نحوه النووي عن الروياني ثم قال: وكذا قال غيره: لا يحرم لَكِن يكره صرح به الدارمي، والقاضي أبو الطيب والبندنيجي، ويخفض الخنثى صوته كالمرأة ذكره صاحب البيان وهو ظاهر.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أما المرأة الشابة الرخيمة الصوت، فلا شك أن صوتها من مفاتن النساء ولا يجوز لها رفعه بحال، ومن المعلوم أن الصوت الرخيم من محاسن النساء ومفاتنها، ولأجل ذلك يكثر ذكره في التشبيب بالنساء، كقول غيلان ذي الرمة:
لها بشر مثل الحرير ومنطق ** رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر

وعينان قال الله كونا فكانتا ** فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

فتراه جعل الصوت الرخيم من محاسن النساء، كالبشرة الناعمة والعينين الحسنتين، وكقول قعنب ابن أم صاحب:
في الخدود لو أن الدار جامعة ** بيض أوانس في أصواتها غنن

فتراه جعل الصوت الأغن من جملة المحاسن، وهذا أمر معروف لا يمكن الخلاف فيه، وقد قال جل وعلا مخاطبًا لنساء النَّبي صلى الله عليه وسلم وهن خير أسوة لنساء المسلمين {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] لأن تليين الصوت وترخيمه يدل على الاهتمام بالريبة كإبداء غيره من محاسن المرأة للرجال كما قال الشاعر:
يحسبن من الكلام زوانيا ** ويصدهن عن الخنا الإسلام

الفرع الثاني: اعلم أنه يستحب الإكثار من التلبية في دوام الإحرام، ويتأكد استحبابها في كل صعود وهبوط، وحدوث أمر من ركوب، أو نزول، أو اجتماع رفاق، أو فراغ من صلاة وعند إقبال الليل والنهار، ووقت السحر، وغير ذلك من تعاير الأحوال، وعلى هذا أكثر أهل العلم.
قال صاحب المهذب: يستحب أن يكثر من التلبية، ويلبي عند اجتماع الرفاق، وفي كل صعود وهبوط، وفي إدبار الصلوات، وإقبال الليل والنهار، لما روى جابر رضي الله عنه، قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي إذا رأى كوكبًا أو صعد أكمة أو هبط واديًّا» وفي أدبار المكتوبة وآخر الليل. انتهى محل الغرض منه. ولم يتكلم النووي في شرحه للمهذب على حديث جابر المذكور، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير في حديث جابر المذكور: هذا الحديث ذكره الشيخ في المهذب، وبيض له النووي، والمنذري، وقد رواه ابن عسكر في تخريجه لأحاديث المهذب من طريق عبد الله بن محمد بن ناجية في فوائده بإسناد له إلى جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي إذا لقي راكبًا» فذكره، وفي إسناده من لا يعرف، وروى الشافعي، عن سعيد بن سالم عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يلبي راكبًا، ونازلًا، ومضطجعًا. وروى ابن أبي شيبة من رواية ابن سابط قال: كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع: في دبر الصلاة، وإذا هبطوا واديًّا أو علوه، وعند التقاء الرفاق، وعند خيثمة نحوه وزاد: وإذا استقلت بالرجل راحلته. انتهى من التلخيص.
وقال مالك في الموطأ: سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة، وعلى كل شرف من الأرض. ويستأنس لحديث جابر المذكور يقول البخاري: باب التلبية، إذا انحدر في الوادي، ثم ساق بسنده الحديث عن ابن عباس وفيه قال «أما موسى كأني أنظر إليه، إذ انحدر في الوادي يلبي» وقال في الفتح في شرح هذا الحديث، وفي الحديث: أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين، وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود.
الفرع الثالث: اعلم أن العلماء اختلفوا في استحباب التلبية في حال طواف القدوم والسعي بعده، وممن قال إنه لا يلبي في طواف القدوم، والسعي بعده: مالك وأصحابه، وهو الجديد الصحيح من قولي الشافعي، وقال ابن عيينة: ما رأيت أحدًا يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب، وممن أجاز التلبية في طواف القدوم: أحمد، وقال ابن قدامة في المغني: وبه يقول ابن عباس، وعطاء بن السائب، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وابن أبي ليلى، والشافعي. وروي عن سالم بن عبد الله أنه قال: لا يلبي حول البيت، وقال ابن عيينة: ما رأينا أحدًا يقتدى به يلبي حول البيت، إلا عطاء بن السائب، وذكر أبو الخطاب: أنه لا يلبي، وهو قول للشافعي، لأنه مشتغل بذكر يخصه، فكان أولى.
انتهى محل الغرض من المغني، وقد قدمنا لك أن القول الجديد الأصح في مذهب الشافعي: أنه لا يلبي خلافًا لما يوهمه كلام صاحب المغني، وروى مالك في موطئه عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم. حتى يطوف بالبيت. وبين الصفا والمروة. ثم يلبي حتى يَغْدُو من منى إلى عرفات. فإذا غدا ترك التلبية. وكان يترك التلبية في العمرة، إذا دخل الحرم. انتهى من الموطأ، وروى مالك في الموطأ أيضًا عن ابن شهاب، أنه كان يقول: كان عبد الله بن عمر لا يلبي، وهو يطوف بالبيت انتهى منه، وقد روي عن ابن عمر أيضًا خلاف هذا، فقد ذكر ابن حجر في التلخيص: أن ابن أبي شيبة أخرج من طريق ابن سيرين عن ابن عمر أنه كان إذا طاف بالبيت لبى.
الفرع الرابع: اعلم أنه لا خلاف بين من يعتد به من أهل العلم في أن المحرم يلبي في المسجد الحرام، ومسجد الخيف بمنى، ومسجد نَمِرة بقرب عرفات، لأنها مواضع نسك. واختلفوا في التلبية فيما سوى ذلك من المساجد.
وأظهر القولين عندي: أنه يلبي في كل مسجد، إلا أنه لا يرفع صوته رفعًا يشوش على المصلين، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الخامس: أظهر قولي أهل العلم عندي: أن المحرم يلبي في كل مكان في الأمصار وفي البراري، ونقل النووي عن العبدري أنه قال به أكثر الفقهاء. خلافًا لمن قال: التلبية مسنونة في الصحارى، ولا يعجِبني أن يلبي في المصر، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثالثة عشرة:
فيما يمتنع بسبب الإحرام على المحرم حتى يحل من إحرمه.
فمن ذلك ما صرح الله بالنهي عنه في كتابه في قوله: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} [البقرة: 197] والصيغة في قوله: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ} [البقرة: 197] صيغة خبر أريد بها الإنشاء: أي فلا يرفث ولا يفسق، ولا يجادل، وقد تقرر في فن المعاني أن الصيغة قد تكون خبرية، والمراد بها الإنشاء لأسباب منها التفاؤل كقولك: رحم الله زيدًا، فالصيغة خبرية، والمراد بها إنشاء الدعاء له بالرحمة، ومنها إظهار تأكيد الإتيان بالفعل، وإلزام ذلك كقوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بالله} [الصف: 10- 11] الآية: أي آمنوا بالله بدليل جزم الفعل في قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31 ونوح: 4] الآية فهو مجزوم بالطلب المراد بالخبر في قوله: {تُؤْمِنُونَ بالله} [الصف: 11] أي آمنوا بالله، يغفر لكم ذنوبكم كقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله} [التوبة: 14] الآية: {تَعَالَوْاْ أَتْلُ} [الأنعام: 151] الآية، ونحو ذلك، فالمسوغ لكون الصيغة في الآية خبرية، هو إظهار التأكد، واللزوم في الإتيان بالإيمان فعبر عنه بصيغة الخبر، لإظهار أنه يتأكد ويلزم أن يكون كالواقع بالفعل المخبر عن وقوعه، وكقوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} [البقرة: 233] الآية، وقوله: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] الآية. فالمراد الأمر بالأرضاع، والتربص وقد عبر عنه بصيغة خبرية لما ذكرنا، كما هو معروف في فن المعاني.
والأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين:
أحدهما: مباشرة النساء بالجماع ومقدماته.
والثاني: الكلام بذلك كأن يقول المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا، ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ} [البقرة: 187] فالمراد بالرفث في الآية: المباشرة بالجماع ومقدماته، ومن إطلاق الرفث على الكلام قول العجاج:
ورب أسرابٍ حجيج كظمٍ ** عن اللغا ورفث التكلم

وقد قدمنا هذا البيت في سورة المائدة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما أنشد وهو محرم قول الراجز:
وهنَّ يمشين بنا هميسًا ** إن تَصْدِق الطير ننِكْ لَمِيسَا

فقيل له أترفث، وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث: ما روجع به النساء، وفي لفظ: ما قيل من ذلك عند النساء.
والأظهر في معنى الفسوق في الآية أنه شامل لجميع أنواع الخروج عن طاعة الله تعالى، والفسوق في اللغة: ومنه قول العجاج:
يهوين في نجد وغورا غائرا ** فواسقا عن قصدها جوائرا

يعني بقوله: فواسقا عن قصدها: خوارج عن جهتها التي كانت تقصدها.
والأظهر في الجدال في معنى الآية: أنه المخاصمة والمراء أي لا تخاصم صاحبك وتماره حتى تغضبه، وقال بعض أهل العلم: معنى لا جدال في الحج: أي لم يبق فيه مراء ولا خصومة، لأن الله أوضح أحكامه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما صرح الله بالنهي عنه في كتابه، من حلق شعر الرأس في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ومن ذلك تغطية المحرم الذكر رأسه لما ثبت في الصحيح، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: في المحرم الذي خر على راحلته فوقصته فمات «ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًّا»، وفي رواية في صحيح مسلم «لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًّا»، وهذا الحديث في صحيح مسلم بألفاظ متعددة في بعضها الاقتصار على النهي عن تخمير الرأس، وفيها النهي عن تخمير الرأس والوجه، وفي بعضها: النهي عن مسه بطيب، وفي بعضها: النهي عن أن يقربوه طيبًا وأن يغطوا وجهه، وكل ذلك ثابت، وهو نص صريح في منع تغطية المحرم الذكر رأسه أو وجهه، أما المرأة فإنها تغطي رأسها، ولا تغطي وجهها، إلا إذا خافت نظر الرجال الأجانب إليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ومن ذلك لبس كل شيء محيط بالبدن، أو بعضه، وكل شيء يغطي الرأس كما تقدم قريبًا فلا يجوز للمحرم لبس القميص، ولا العمامة، ولا السروايل، ولا البرنس، ولا القباء، ولا الخف إلا إذا لم يجد نعلًا فإنه يجوز له لبس الخفين، ويلزمه أن يقطعهما أسفل من الكعبين، وكذلك إذا لم يجد إزارًا: فله أن يلبس السراويل على الأصح فيهما.
وكذلك لا يجوز له أن يلبس ثوبًا مسه ورس أو زعفران. وهذه أدلة منع ما ذكر.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلًا قال يا رسول الله: ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس القُمُصَ ولا العمائم ولا السَّراوِيلاتِ ولا البَرَانِسَ ولا الخِفافِ إلا أحدُ لا يَجدُ نعلين فليلبس خُفَّين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مَسَّهُ الزعفرانُ أو وَرْسٌ» انتهى من صحيح البخاري.
وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا القُمُص، ولا العمائم، ولا السَّراوِيلاَتِ، ولا البرانِس ولا الخِفاف إلا أحدٌ لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفلُ من الكعبينِ ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مَسَّه الزعفران ولا الوَرْسُ» وأخرج مسلم رحمه الله هذا الحديث عن ابن عمر أيضًا من طريق ابنه سالم. وأخرج بعضه عنه أيضًا من طريق عبد الله بن دينار. ثم قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو الربيع الزهراني، وقتيبة بن سعيد جميعًا، عن حماد قال يحيى: أخبرنا حَماد بن زيد، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: «السَّراويل لمن لم يجد الإزار، والخُفَّاف لمن لم يجد النعلين» يعني المحرم. وقد ذكر مسلم هذا الحديث من طرق، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، وزاد شعبة في روايته، عن عمرو: يخطب بعرفات.
وأخرج البخاري نحوه عن ابن عباس أيضًا ثم قال مسلم رحمه الله: وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يجد نعلين، فليلبس خُفَّين، ومن لم يجد إزار فليلبس سراويل». اهـ. من صحيح مسلم، وهو يدل دلالة واضحة على جواز لبس السراويل للمحرم، الذي لم يجد إزارًا، كجواز لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، وفي حديث ابن عباس، وجابر المذكورين زيادة على حديث ابن عمر: وهي جواز السراويل لمن لم يجد إزارًا وهذه الزيادة، يجب قبولها، خلافًا لمن منع قبولها، وإطلاق الخفين في حديث ابن عباس، وجابر المذكورين يجب تقييده بما في حديث ابن عمر من قطعهما أسفل من الكعبين، لوجوب حمل المطلق على المقيد، ولاسيما إذا اتحد حكمهما وسببهما كما هنا، كما هو مقرر في الأصول.
فأظهر الأقوال دليلًا: أنه لا يجوز لبس الخفين، إلا في حالة عدم وجود النعلين، وأن قطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين لابد منه، وأن لبس السراويل جائز للمحرم الذي لم يجد إزارًا، خلافًا لمن ذهب إلى غير ذلك.
وقال النووي في شرح المهذب: وأما حديث ابن عمر أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يلبس المحرم القميص ولا السراويلات ولا البرانس ولا العمامة ولا الخف إلا إلا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ولا يلبس من الثياب ما مسَّه ورس أو زعفران». فرواه البخاري ومسلم هكذا، وزاد البيهقي وغيره فيه «ولا يلبس القباء» وقال البيهقي: هذه الزيادة صحيحة محفوظة انتهى منه وهو دليل على منع لبس القباء للمحرم.